السلاح البريطاني إلى السعودية: نحو القضاء مجدّداً
تنظر المحكمة العليا البريطانية نهاية هذا الشهر في قضية باتت مثاراً للجدل في بريطانيا تتعلق بشرعية بيع الأسلحة إلى السعودية، بما يطيل أمد الحرب التي تشنها الرياض على اليمن.
https://arapi.thecradle.co/wp-content/uploads/2023/01/cover13-1024x486.jpg

مرة جديدة، ستكون قانونية مبيعات الأسلحة البريطانية إلى المملكة العربية السعودية موضع طعن أمام المحكمة العليا في لندن، نهاية هذا الشهر.

ووفقاً لطلبات قانونية قدّمتها «حملة مناهضة تجارة الأسلحة» (كات)، ومقرها المملكة المتحدة، فإن الحكومة البريطانية تنتهك قواعد تراخيص التصدير الخاصة بها، من خلال السماح ببيع الأسلحة إلى السعودية التي تشنّ حرباً منذ سبع سنوات على اليمن.

وينبغي على الشركات التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها الحصول من وزارة التجارة الدولية، على تراخيص تصدير السلع والخدمات العسكرية، أو المواد «ذات الاستخدام المزدوج» التي يمكن استعمالها لأغراض عسكرية أو مدنية. مع ذلك، من الناحية العملية، غالبًا ما يتم إصدار هذه التراخيص بعيداً عن الرأي العام أو الرقابة البرلمانية.

وقد زوّدت حكومة بريطانيا المملكة العربية السعودية بما قيمته مليارات الجنيهات الاسترلينية من الأسلحة – وأشكال أخرى من الدعم العسكري واللوجستي – منذ أن بدأت الأخيرة تدخلها العسكري في اليمن عام 2015. أتى ذلك رغم السجل الحافل للنظام السعودي، طوال السنوات السبع الماضية، بغارات جوية استهدفت المدارس والمستشفيات والأسواق وحفلات الزفاف وتجمعات المآتم والمزارع والمناطق السكنية والبنى التحتية الأساسية، وحتى المواقع المدرجة على لوائح اليونسكو للتراث العالمي. وأودت الحرب بحياة مئات الآلاف، ودفعت باليمنيين إلى حافة المجاعة. ووفقًا لمعظم تقارير المؤسسات الإنسانية، فإن غالبية الضحايا سقطوا في عمليات القصف التي نفّذها التحالف الذي تقوده السعودية.

ويعدّ الدعم العسكري واللوجستي الذي تقدّمه بريطانيا المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا أمراً بالغ الأهمية في المجهود الحربي السعودي. ووفقاً لتقرير مُسرّب عن مديرية الاستخبارات العسكرية الفرنسية عام 2018، فإن وقف الدعم العسكري البريطاني والأميركي والفرنسي للرياض، يمكن أن يضع حداً للحرب السعودية في اليمن.

حملة طويلة

عام 2019، علّقت المملكة المتحدة مؤقتاً مبيعاتها من الأسلحة إلى المملكة بعد قرار أصدرته محكمة الاستئناف اعتبر أن وزارة التجارة الدولية البريطانية أخفقت في تقييم ما إذا كان هناك «خطر واضح» من أن الأسلحة البريطانية «قد تُستخدم في ارتكاب انتهاك خطير للقانون الإنساني الدولي». ونقضت قراراً أصدرته المحكمة العليا عام 2017 ضد «كات» التي كانت قد طعنت في شرعية مبيعات الأسلحة إلى السعودية عام 2015. وتدخلت كل من «هيومن رايتس ووتش» ومنظمة العفو الدولية و«هيومن رايتس – المملكة المتحدة» و«أوكسفام» كطرف ثالث في الدعوى، وقدّمت تقارير لدعم مزاعم «كات».

عام 2020، زعمت وزيرة التجارة الدولية البريطانية آنذاك ليز تروس – التي تولّت رئاسة الحكومة لفترة وجيزة عام 2022 – أنه ليس في سجلّ السعودية نمط من الانتهاكات الجسيمة للقانون الانساني الدولي، وأن أي انتهاكات خطيرة من قبل التحالف الذي تقوده الرياض، في حال حدوثها، كانت حوادث معزولة، وأعلنت رفع الحظر المؤقت على إصدار تراخيص تصدير جديدة لمبيعات الأسلحة إلى السعودية. وهو قرار انتقدته منظمة العفو الدولية التي وصفت تصريحات تروس بأنها «خبيثة للغاية». وفي العام نفسه، عادت وزارة التجارة الدولية إلى إصدار تراخيص جديدة، وهو القرار الذي تستأنف «كات» ضده حالياً.

الصحافي الاستقصائي اليمني ناصر الربيعي عبّر عن الإحباط والاستياء من قرار تروس. وسأل، في تعليق لـ «The Cradle عربي»: «ماذا يسمي المسؤولون البريطانيون قتل المدنيين منذ سبع سنوات أثناء نومهم في منازلهم، أو أثناء وجودهم في المدارس، وتلقيهم العلاج في المستشفيات، وحضورهم حفلات الزفاف أو المآتم؟ إذا لم تكن هذه جرائم حرب، فما هي إذن؟».

«كات» تعود إلى المحكمة

وتطعن «كات» في ما خلصت إليه تروس من أنه لم يكن هناك سوى «عدد صغير» من الانتهاكات السعودية للقانون الإنساني الدولي، وأنه «لم يكن هناك نمط» للانتهاكات. وجاء في المذكرات القانونية التي قدّمتها المنظمة أنه «حتى لو كانت استنتاجات الحكومة صحيحة، لا يترتب على ذلك عدم وجود خطر واضح لوقوع مزيد من الانتهاكات». وأشارت إلى أن الوزيرة البريطانية اعتمدت التضليل في شأن ما يشكل «انتهاكاً خطيراً» للقانون الإنساني الدولي.

ومن المقرر أن تستغرق إجراءات النظر في القضية ثلاثة أيام، بين 31 كانون الثاني (يناير) و2 شباط (فبراير). ومن المرجح تقدّم الحكومة حججاً وأدلة قانونية علنية وسرية، كما جرى في الجولة الأخيرة من هذه القضية.

ويؤكد منسق الأبحاث في «كات» بيرلو فريمان لـ «The Cradle عربي» أن مبيعات الأسلحة البريطانية إلى السعودية «قضية شديدة الوضوح. إذ من المعروف بشكل لا لبس فيه، وهو ما اعترفت به الحكومة بالفعل، أن الطائرات والقنابل والصواريخ التي توفرها المملكة المتحدة للسعودية تستخدم في قصف اليمن».

كما أن «كات»، بحسب بيرلو، «استكشفت إمكانية تقديم طعن في مبيعات الأسلحة لإسرائيل»، وتأخذ في الاعتبار تحديات أخرى تتعلق بدول «تتلقى الأسلحة من المملكة المتحدة وتتورط في قمع عسكري» ضد مواطنيها أو جيرانها كما هي الحال مع إسرائيل وتركيا.

والمملكة المتحدة هي ثاني أكبر مصدر للأسلحة في العالم بعد الولايات المتحدة، وتعدّ مبيعات الأسلحة وعقود الخدمة التي تترافق معها من القطاعات التجارية الضخمة. وبلغت قيمة مبيعات الأسلحة البريطانية للسعودية منذ عام 2015 فقط أكثر من 23.3 مليار جنيه إسترليني. ونظرًا إلى نظام تراخيص التصدير الغامض للغاية في البلاد، يستحيل، على وجه الدقة، تحديد كمية الأسلحة التي باعتها لندن للرياض.

قتل أكثر من 377000 يمني

وقد خلص تقرير للأمم المتحدة عام 2017 إلى أن «طفلاً دون سن الخامسة يموت كل 10 دقائق لأسباب يمكن الوقاية منها» في اليمن. بعد ثلاث سنوات، قدرت الأمم المتحدة عدد القتلى في هذا البلد بـ 233 ألفًا بشكل أساسي «لأسباب غير مباشرة». وكان مقدّراً أن يرتفع هذا العدد إلى 377000 بحلول نهاية عام 2021. لكن المثير للجدل، أن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة صوّت، في تشرين الأول – أكتوبر 2022، على وقف التدقيق الرسمي في عدّاد القتلى في اليمن.

حالياً، يحتاج ما يقرب من ثلاثة أرباع سكان اليمن، أو 23.4 مليون شخص، إلى مساعدات إنسانية، في وقت سُجّل نزوح 4.3 مليون شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال. وأدى تدمير شبكة الكهرباء الوطنية اليمنية جراء الضربات الجوية السعودية إلى أكبر انتشار لوباء الكوليرا في العالم. ففي غياب الكهرباء، تتسرّب المياه الملوثة من محطات الصرف الصحي إلى قنوات الري ومياه الشرب، ما يؤدي إلى عدوى بكتيرية، يتعرّض لها الأطفال بشكل خاص، يمكن أن تسبب القيء الشديد والإسهال وتؤدي الموت إذا تركت من دون علاج.

ووفقاً لتقرير صدر عن المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب في أيلول / سبتمبر الماضي، فإن الحصار السعودي لليمن، بدعم أميركي – بريطاني – فرنسي، صارم للغاية ويندرج ضمن التعريف القانوني للتعذيب. وفصّل التقرير الذي حمل عنوان «التعذيب ببطء»، كيف أن الحصار الذي يمنع استيراد 90% من حاجات اليمنيين إلى الغذاء والوقود والدواء، يتقصّد إحداث مجاعة تعرّض ملايين المدنيين للموت.

تحالف طويل

تعود علاقة المملكة المتحدة بالسعودية إلى تاريخ تأسيس الأخيرة عام 1932. وتمتلك المملكة العربية السعودية 17٪ من احتياطيات النفط المؤكدة في العالم، وهي الشريك التجاري الرئيسي لبريطانيا في الخليج الفارسي، وتحتل المرتبة الـ 19 عالمياً بين أسواق السلع البريطانية.

بين 1999 و2021 فقط، صدّرت المملكة المتحدة ما مجموعه 142،456 مليار جنيه إسترليني من السلع والخدمات إلى السعودية الخاضعة لحكم ملكي مطلق، 64،808 مليار منها هي قيمة الصادرات منذ الغزو السعودي لليمن عام 2015، وفقًا لبيانات مكتب الإحصاء الوطني (ONS) التي اطلعت عليها «The Cradle عربي». غير أن المكتب لا يوضح ما إذا كانت مبيعات السلع والخدمات العسكرية مدرجة ضمن هذه الأرقام.

من جهتها، استثمرت الدولة الوهابية مليارات الجنيهات في اقتصاد المملكة المتحدة، وهي تمثل سوقاً متزايداً للسلع البريطانية، إضافة إلى كونها ممراً إلى أسواق أخرى في المنطقة. وفي الوقت نفسه، قدمت السعودية أيضاً دعماً مالياً وعسكرياً ودينياً  – في العلن والسر – لحركات معادية للأفكار التقدمية والعلمانية ولليسار في غرب آسيا وغيرها.

عام 1969، كتب سفير المملكة المتحدة السير ويلي موريس إلى وزير الخارجية العمالي آنذاك مايكل ستيوارت: «على الرغم من أهمية سوق التصدير هذا، فهو أقل أهمية بالنسبة لنا من دور المملكة العربية السعودية في الحفاظ على مصالحنا السياسية والاقتصادية الأوسع في الشرق الأوسط». وتشمل هذه المصالح ضمان الوصول إلى احتياطيات النفط الكبيرة في الخليج الفارسي وقمع الحركات اليسارية والثورية المناهضة للإمبريالية.

كدولة تفرض شكلاً شديد الرجعية ومحافظاً للغاية من الحكم الاسلامي، كانت السعودية حليفاً رئيسياً مناهضاً للشيوعية وللاتحاد السوفياتي إبان الحرب الباردة. وفي ثمانينيات القرن الماضي، ساعدت الرياض وكالة المخابرات المركزية الأميركية في تمويل فرق الموت اليمينية المتطرفة (الكونترا) في نيكاراغوا، والمجاهدين الأفغان (الذين شكل بعضهم في ما بعد تنظيم القاعدة). وفي العقد الأخير، عملت السعودية مع تركيا وقطر والإمارات على دعم الجهاديين التكفيريين في الحرب القذرة التي شُنّت على سوريا بدعم من وكالة المخابرات المركزية الأميركية والاستخبارات الخارجية البريطانية.

الكاتب/ة
محمد المعزي
المزيد من هذا المؤلف
الأكثر قراءة